@ ماذا عن النصوص التي وردت في ذم المسألة والنهي عنها؟
- في الصحيحين من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغني يُغنه الله".
فاليد العليا المقصودة في الحديث هي المعطية والدُّنيا هي السائلة فيجدر بالمؤمن أن يكون منفقاً لا آخذاً ولا سائلاً لأن السؤال ذُلٌ وانكسار فلا يليق بالمؤمن أن يُذل نفسه بل يجتهد في فعل أسباب الرزق وفي الصحيحين من حديث بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مُزءعَةُ لحم" وفي هذا الحديث وعيدٌ شديد لمن يسأل بغير حق في الدنيا فإنه يعاقب يوم القيامة ويأتي مفضوحاً قد ذهب لحم وجهه.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل الناس أموالهم تَكَثُّراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر" ففي هذا الحديث دليلٌ على أن سؤال الناس بلا حاجة من كبائر الذنوب ومن فعل ذلك فهو متوعد بالنار. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تُسَدَّ فاقته ومن أنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل" رواه أبو داوود والترمذي وقال حديثٌ حسن.
@ حكم المسألة مع بيان من تحل له؟
- المسألة محرمة لا تجوز إلا عند الحاجة ولقد بيَّن رسول الله من تحل له المسألة كما في حديث قبيصة بن المخارق رضي الله عنه في صحيح مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجلٌ تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجلٌ أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال: سداداً من عيش. ورجلٌ أًصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال: سداداً من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتاً".
ففي هذا الحديث بيَّن صلى الله عليه وسلم أن المسألة لا تحل إلا لواحد من ثلاث:
@ رجلٌ تحمل حمالة أي ديناً في ذمته لإصلاح ذات البين فهو يسأل حتى يصبها ثم يمسك ولا يسأل.
@ ورجلٌ آخر أصابته جائحة اجتاحت ماله كحريق أو غرق أو عدو أو غير ذلك فيسأل حتى يصيب قواماً من عيش.
@ والثالث رجلٌ كان غنياً فافتقر بدون سبب ظاهر أو جائحة معلومة فهذا له أن يسأل لكن لا يعطى حتى يشهد ثلاثة من أهل العقول من قومه أو ممن يعرف حاله من العدول الثقات بأنه أصابته فاقة فيعطى بقدر ما أصابه من فقر وما سوى ذلك فهو سحت أي حرام سمي سحتاً لأنه يسحت بركة المال، وأيضاً جاء من حديث أنس عند الترمذي والنسائي وابن ماجه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع".
ذي الفقر المدقع: هو من أصابه فقر شديد.
ذي الغرم المفظع: هو من تلحقه ديون فظيعة فادحة حتى سمع.
ذي الدم الموجع: هو من يتحمل حماله في حقن الدم وإصلاح ذات البين.
@ هل يجوز للمحتاج أن يسأل من بيت مال المسلمين؟
- نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسألة كد يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطاناً أو في أمر لا بد منه" رواه الترمذي وصححه. والأمر الذي لا بد منه كما تقدم في حديث قبيصة وأنس بن مالك رضي الله عنهما.
وترك السؤال مع الحاجة أفضل لما جاء في حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال: يا حكيم إن هذا المال خضرٌ حلو فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خيرٌ من اليد السفلى قال حكيم: فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا" متفق عليه.
@ يتردد بعض الناس هل يعطون السائل أم لا فما الضابط في ذلك؟
- المسؤول على ثلاثة أحوال بالنسبة لإعطاء السائل:
فإما أن يعرف أنه محتاج وفقير فيعطيه.
وإما أن يعرف أنه غني غير مستحق فلا يعطيه بل ينصحه ويزجره عن سؤال الناس.
وإما أن يكون مجهول الحال فهذا يعطي لعموم قوله تعالى في صفات المتقين (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حقٌ للسائل والمحروم" والمحروم هو الفقير.. والغالب في المسكين أنه لا يسأل إلا من حاجة أو فقر.
@ ما حكم أخذ المال من غير مسألة إذا أعطيه؟
- يجوز أخذ المال من غير مسألة ولا تَطُّلع إليه فقد جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يعطي عمر بن الخطاب العطاء فيقول: أعطه من هو أفقر إليه مني فيقول: خذه فتموله أو تصدق به وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك". قال سالم: فكان عبدالله بن عمر لا يسأل أحداً شيئاً ولا يرد شيئاً أعطيه. هذا الحديث يدل على جواز أخذ المال إذا أعطيه الإنسان من غير سؤال ولا استشراف نفس ولا تطلع إليه فإن شاء أكله وإن شاء تصدق به.
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يكفينا بحلاله عن حرامه وأن يغنينا بفضله عمن سواه وأن يرزقنا من لدنه رزقاً حسناً وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
@ ما هي الأسباب التي تدفع البعض إلى التسول؟
- من أعظم أسباب ذلك ضعف الإيمان، إذا ضعف قلب العبد أصبح لا يبالي بالمحرمات وبالكسب المحرم فيعميه الطمع وتغريه الشهوات المحرمة، أما إذا قوى الإيمان فإن العبد يصبح أبعد الناس عن المحرمات ويأخذ بالورع في المشتبهات براءة لذمته وحفظاً لدينه ومن الأسباب أيضاً التي تدفع بعض الناس إلى التسول عدم القيام بالأمر الشرعي من جهة القيام بالنفقة الواجبة فإذا قصر الإنسان في النفقة على والديه أو زوجته أو أولاده فإن ذلك قد يدفعهم إلى مد أيديهم للناس تحت وطء شدة الحاجة لا سيما مع وجود ضعف الإيمان ونقص العلم.
وأيضاً من الأسباب الجهل بحكم المسألة من غير حاجة معتبرة والتساهل في هذا الأمر لما يجد من سهولة الحصول على المال بدون كد ولا تعب وبالتالي يطمع في الثراء السريع من غير طريق شرعي فيصبح كالذي يأكل ولا يشبع ولا شك أن من هذه حاله فهو متعرض للوعيد الشديد.
وأيضاً من الأسباب أن أهل التسول يستغلون حب الناس للخير ومسارعتهم إلى مساعدة المحتاجين وعدم التثبت في أحوال السائلين في الغالب فيتكسبون عن طريق التسول وبعض الناس قد تنطلي عليه حيل أهل التسول فيأخذون منه أموالاً طائلة مما يدفعهم إلى التسأهل في هذا الأمر والطمع والاستمرار في الكسب من طريق التسول، فالواجب الحذر من ذلك وعلى المسلم أن يعتني بالكسب الحلال الطيب لأنه سبب في بركة المال والعمر وقبول الصدقات وإجابة الدعوات ولا يغتر بكثرة من يتكسبون من طرق محرمة فإن أكثر الناس أصبح لا يبالي بالكسب المحرم والعياذ بالله إلا من عصم الله. نسأل الله أن يوفقنا للكسب الطيب والمطعم الحلال إنه ولي ذلك والقادر عليه.