أوجب الإسلام على الآباء والأمهات ضرورة الاهتمام الدائم بالأولاد وحسن تربيتهم، لكن
هذا الاهتمام بالتربية والتأديب والحفاظ على الأبناء يصل لدرجته القصوى في بلاد الغربة،
كي ينشؤوا على هدى الإسلام وأحكامه، بدلاً من أن تغيرهم الأيام شيئاً فشيئاً حتى يتحولوا
عن الإسلام ذاته في الجيل الثاني إن لم يكن في الجيل الأول بعد الاغتراب.
ولا يختلف المنهج الإسلامي في تربية النشء من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان،
لكن الذي يتغير هو الوسائل والأساليب التربوية، وذلك تبعاً لاختلاف البيئات الثقافية
والاجتماعية؛ فتربية الأطفال لها منهج واحد، بيد أنه في أرض الاغتراب يتم التركيز على
نقاط هامة لها أثرها الإصلاحي طوال الحياة، ومن أهم هذه النقاط، التي تحتاج إلى تركيز
وعناية خاصة في الغربة:
على الوالد المسلم في بلاد الغربة أن يربط أولاده بالمسجد، ويعمق هذا المعنى دائماً في
نفوسهم، ويحرص على أن يكون قدوة لهم في ذلك. وعلى الوالد أيضاً أن يلقي في روع
الصبي والفتاة أن المسجد أطهر وأهم مكان في هذه الأرض، وأنه بمقدار ما يرتبط ببيوت
الله تفيض على حياته معاني البركة والسكينة والإيمان. إضافة إلى ذلك، فإن المسجد بالنسبة
لكل مسلم، وفي أي مكان، يُعدّ جامعة لكافة مناحي الحياة، حيث يتلقى فيها المسلمون علوم
الخير والهدى والرشاد في الدنيا والآخرة.
ويجب على الوالد كذلك أن ينتبه إلى أن الوضع الديني المخدر في نفوس أهل الأديان
المغايرة للإسلام في بلاد الغربة دائماً ما يلقي بظلاله وأثره على الصغار، ولذا فقد يظن
الطفل المسلم في بلاد الغربة أن تقديس المساجد ومعرفة آدابها أمر غير ذي بال، ولذلك
يجب تعريف الطفل بالمسجد وجذبه إليه منذ الصغر، فينشأ من أول يوم متعلقاً قلبه بالمسجد.
من أهم مسؤوليات راعي البيت ورب الأسرة أن يسأل رعيته عن أداء واجباتهم، كما أن عليه أن يتعرف
على مطالبهم، تماماً كما يفعل المسؤول مع مرؤوسيه في أي عمل، فيحاسبهم على التقصير، ويكافئهم عند
الإجادة. وباختصار فإن المطلوب من هذا الذي ولاه الله -عز وجل- راعياً على أسرته أن يقودهم إلى
تطبيق شرع الله تعالى على نفسه وعلى رعيته، فيسأل ولده: هل أديت الصلاة؟ هل أتممت صيام اليوم من
رمضان؟ وهكذا.
كما يجب أن يكون سؤاله بلا تعنت ولا إرهاق، وعليه كذلك ألاّ يبدي أية تساهل عند التقصير، وعليه أن
يسلك من الطرق أوسطها بالحكمة والتي هي أحسن. أما إذا أغفل الوالدان هذه المتابعة فإن الولد سينشأ
خاملاً من مواهب الخير، متفاعلاً مع كوامن الشر التي تتراقص حوله.
اللغة وسيلة البيان، ولغة العرب هي لغة الإسلام، وعلى هذا يجب أن تكون اللغة الأولى لكل المسلمين أينما
كانوا، وذلك لاحتياجهم الدائم والمتواصل لأداء شعائر العبادة، كالصلاة والحج وتلاوة القرآن وذكر الله
وغير ذلك من صور التعبد باللغة العربية.
وهناك مشكلة كبرى وعقبة في طريق الدعاة إلى الإسلام في بلاد الاغتراب تتمثل في كون المغتربين
لا يتحدث أكثرهم باللغة العربية، فإذا افترضنا أن عدد المسلمين الذين يؤدون الصلاة في مسجد أوروبي
بنحو مائتي شخص، فإن نصف هذا العدد فقط هو الذي يفهم لغة التخاطب، والباقون جالسون لالتماس
البركات دونما فهم أو تعلم.
وقد نتجت مشكلة التغريب عن لغة العرب في بلاد المهجر من جراء الاحتكاك المباشر مع اللغة الأجنبية،
وإجادة التحدث بها على حساب اللغة العربية، وهذا واقع لا يسعنا إنكاره، فعندما يذهب المسلم إلى
السوق أو البنك أو المستشفى أو أي مكان فإنه من الطبيعي أن يتحدث بلغة البلد الذي يعيش فيه، ولا
يمكن أن يتحدث العربية؛ لأنه لن يفهمه أحد.
من هنا ضرب النسيان ستائره على لغة العرب في بلاد الغربة واستسهل الوالدان اللغة الأجنبية ليس خارج
البيت فقط، وإنما داخل بيوتهم التي يفترض أنها بيوت للعرب، ويتعلم الصغار – طوعاً أو كرهاً – لغة
أجنبية عنهم رغماً عن ثقافتهم الدينية وعن جذورهم التي ينتمون إليها.
لهذا؛ فإنه يجب على الوالدين أن يحرصا على التحدث الدائم داخل البيت باللغة العربية؛ فالطفل مقلد
بفطرته، ويقوم الوالدان بدور المؤثر الأول على وجدانه ولسانه، فإذا اهتم الوالدان باللغة العربية وأداما
الحديث بها فإن الولد سينشأ على لغة العرب بيسر وسهولة، وعلى الوالدين أيضاً أن يدركا أن المستقبل
الإيماني لأولادهما في خطر ما دامت اللغة العربية في أدراج النسيان.
قالوا في منثور الحكم: قل لي من صاحبك أقل لك من أنت.. والصاحب ساحب، وله أكبر الأثر في نفس
صديقه خيراً أو شراً. فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- قال: "المرء
على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل". [رواه البغوي في شرح السنة 6/470 والحديث حسن غريب].
ولهذا فمن الضروري النظر والتدقيق في أصدقاء أولادنا وبناتنا في بلاد الغربة والسؤال عنهم ومعرفة
أخلاقهم وميولهم، فإن كانوا من أهل الخير فنعم الصحبة، وإن كانوا من أهل السوء والشر فيجب على
الوالد النصح ومحاولة التفريق بين أولاده وبين أصدقاء السوء بكل وسيلة ممكنة.
وما أحوج أبناء الإسلام في بلاد الغربة إلى صداقة المسلم للمسلم وخصوصاً الأنقياء والصالحين منهم،
والمتمسكين بشرع الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس معنى هذا أن نتخذ غير المسلمين
أعداء، بل نتعامل معهم بالخير والبر والمشاركة الإيجابية في كل مناسبة.
ومن الواجب على راعي الأسرة أن يحول دون قيام الصداقات بين أولاده الذكور وإحدى الفتيات، لا من
المسلمات ولا من غيرهن، ولا صداقة بين إحدى بناته وأحد الشباب مسلماً كان أو غير مسلم.
من أهم المطالب في تربية أبناء المسلمين في المهجر أن تكون عيون الآباء والأمهات دائماً مفتوحة على
أبنائهم وبناتهم، إلى أن يصيروا في سن النضوج وتحمل المسؤولية، ذلك لأن أبناء المسلمين المغتربين على شفا
جرف من التردي في أتون المجتمع المستعر بالمهالك المتكاثرة، والمغريات الجاذبة في كل مكان، وبكل وسيلة
وفي أي وقت، مما يجعل مهمة التربية والتقويم مهمة شاقة وصعبة، وذلك لكثرة الفتن وانشغال الآباء
والأمهات بالعمل. وقد علّمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- ألاّ تغفل عيوننا عن أولادنا وبناتنا. في الحديث
الوارد عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أكرموا
أولادكموأحسنواأدبهم". [رواه المنذري في الترغيب والترهيب 3/115 بإسناد حسن أو صحيح أو ما
يقاربهما].
وذلك أمر يستدعي الانشغال بالولد أو الفتاة، وخصوصاً في المجتمعات غير الإسلامية التي تعج بألوان
وصور من الانحرافات النفسية والاجتماعية، حيث تسود منظومة قيم ومعايير أخلاق مختلفة كلية عن
المعايير والقيم الإسلامية؛ ففي كثير من المجتمعات الغربية تكون اللذة والشهوة العاجلة هي سيدة الموقف،
ولهذا فليس غريباً أن تجد طفلة في الثانية عشرة من عمرها تحمل ولدها بين يديها، في شهادة ناطقة على
سوء التربية في هذه المجتمعات، وهذا كله يحركه إعلام يجري فقط وراء الربح.
أهذا مجتمع تترك فيه ولدك أو ابنتك ليكون فريسة التقليد حسب ما ينطق واقعه، أم أن الأحرى بك دائماً
أن تلزم أولادك بالمراقبة والنصح وحسن التعهد والتربية؟