منتديات السلاطين الرسمية

منتديات السلاطين الرسمية (http://www.alslateen.com/vb/index.php)
-   المنتدى الاسلإمي (http://www.alslateen.com/vb/forumdisplay.php?f=6)
-   -   مواقف عمرية : مواقف , ودروس , وعبر هامة من حياة عمر بن الخطاب (الحلقة الأولى) (http://www.alslateen.com/vb/showthread.php?t=867)

أبو عثمان 11-03-2008 06:25 PM

مواقف عمرية : دروس , وعبر هامة من حياة عمر بن الخطاب (الحلقة الأولى) (الثانية)
 
مواقف عمرية : مواقف , ودروس , وعبر هامة من حياة عمر بن الخطاب
(الحلقة الأولى)
رسم عمر بن الخطاب رضي الله عنه مواقف رائعة , سطرها التاريخ في أنصع صفحاته , لا تنساها ذاكرة الدهر , اهتزت لجمالها شغاف القلوب , وأصبحت لعظمتها كأنها نسجت من الخيال , وهي حقيقة صادقة , والسر في ذلك صعوبة تطبيقها , وامتثالها كواقع , في زمن طغت فيه الماديات , والشهوات , والمصالح , وحب الدنيا والذات , لقد أتعب الفاروق أبو حفص رضي الله عنه من بعده في مواقفه المشهودة , وصفاته المحمودة , فما أحوج هذه الأمة للرجوع لسيرة هؤلاء العظماء لمعرفة نهجهم , والسير على خطاهم , عندها ستتبدل الأحوال , وتزهر القلوب الصادية , وتشتد العزائم الواهية , وينسحب الظلام المطبق على القلوب ,
ومن هنا اخترت لكم في هذه المشاركة بعض المواقف العمرية الهامة , راجياً منكم التعليقات الجميلة المفيدة على هذه المواقف وبذل الهمة لاستخراج دقائق الفوائد من هذه الأحداث ,
وسأتابع بمشيئة الله الموضوع في هذا العنوان على حلقات متتالية , بعنوان (عمريات) , وطلبي التفاعل , والمشاركة باستنباط الفوائد والعبر ومقارنة ذلك في واقعنا المعاصر , وبيان السر في عجزنا عن التطبيق , وإليكم المشاركة :

الموقف الأول (1) :
فعن طارق بن شهاب , قال : لما قدم عمر الشام , عرضت له مخاضة , فنزل عمر عن بعيره , ونزع خفيه , أو قال : موقيه , ثم أخذ بخطام راحلته , وخاض المخاضة , فقال له أبو عبيدة بن الجراح : لقد فعلت يا أمير المؤمنين فعلا عظيما , عند أهل الأرض , نزعت خفيك , وقدمت راحلتك , وخضت المخاضة , قال فصك عمر بيده في صدر أبي عبيدة , فقال: أوه , لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة , أنتم كنتم أقل الناس , فأعزكم الله بالإسلام , فمهما تطلبوا العزة بغيره ؛ يذلكم الله تعالى. وفي لفظ :" فقال أبو عبيدة : يا أمير المؤمنين , أنت تفعل هذا ؟! تخلع خفيك , وتضعهما على عاتقك , وتأخذ بزمام ناقتك , وتخوض بها المخاضة , ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك , فقال عمر : أوه , لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة , جعلته نكالا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم".
وفي لفظ آخر :"قَالَ : لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ , أَتَتْهُ الْجُنُودُ , وَعَلَيْهِ إزَارٌ , وَخُفَّانِ , وَعِمَامَةٌ , وَأَخَذَ بِرَأْسِ بَعِيرِهِ , يَخُوضُ الْمَاءَ ، فَقَالُوا لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، تَلْقَاك الْجُنُودُ , وَبِطَارِقَةِ الشَّامِ , وَأَنْتَ عَلَى هَذَا الْحَالِ ، قَالَ : فَقَالَ عُمَرُ : إنَّا قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالإِسْلامِ ، فَلَنْ نَلْتَمِسُ الْعِزَّ بِغَيْرِهِ ".
رواه عبد الله بن المبارك في الزهد (584) , وابن أبي شيبة في مصنفه (33847) , والحاكم في المستدرك 3/88 , 1/130 , وأبو نعيم في الحلية 1/47 , والبيهقي في الشعب (8196) , وابن عساكر في تاريخ دمشق 44/5 , كلهم من طريق طارق بن شهاب به نحوه . والفظ الأول للحاكم , والأخير لابن أبي شيبة. وهذا الأثر صحيح , ورجاله ثقات , وصححه الحاكم 1/130.
تأمل الموقف : سار الفاروق فوق بعيره , فاعترضته بقعة الماء التي تسد الطريق , فلم تقبل نفسه الزكية أن يعبرها راكباً متجبراً , فما كان منه إلا أن نزع خفيه وأمسك بهما , وتقدم ليعبر الطين , بقدميه العاريتين , فأخذ الطين يلتصق بهما , ويتناثر على الساقين , والإزار ؛ بصورة مليئة بالتواضع , والزهد , والعزّة , وهذا الفعل من أعلى رجل في الدولة الإسلامية , تحت إمْرته الديار , والممالك , والمساحات الواسعة من الأرض , ولم يكن هذا الفعل سرَاً بل كان بمحضر من الجنود والقادة , وعلى نظر عظماء الروم , وسادتهم , وزعمائهم الذين يترقبون رؤيته , ويتصورون مجيئه إليهم كحال عظمائهم , وجبَّاريهم , في مواكب فخمة , تهيأ لها المقاصير الوثيرة , وتتقدمها الخيل المسرجة , وتعتليها الأعلام , وتضرب لها الطبول , ويستقبلها الجماهير بالهتافات , ولكن الفاروق لم تشغله هذا المظاهر الزائفة , والبهرجة الفانية , ولا يرجو المجد بالمباهاة , والتكبر على عباد الله , بل هو قلب يخشع , وقرآن يمشي , وسيرة تنطق , لقد فهم أن من ملك الهداية , والدين الصحيح , ورضى الله , فقد ملك كل شيء , ومن خسر الهداية والتوفيق , فقد خسر كل شيء , ولو لبس الحرير , ونام على الوثير , وتلقته الجماهير , لقد جاء الفاروق كسائر البشر , بل أقل ؛ تواضعاً , وزهداً , ولكنه قد امتلأ عزة , وانكساراً لله سبحانه المعزّ , وهذه الحال من عمر رضي الله عنه أذهلت أبا عبيدة رضي الله عنه , ودفعته للإنكار عليه لرغبته أن يتصف بالوجاهة , والفخامة , فقال له : لقد فعلت يا أمير المؤمنين فعلا عظيما , عند أهل الأرض , فأعطاه عمر رضي الله عنه درساً لا ينسى بعد أن صك على صدره , وعاتبه , قال : "إنَّا قَوْمٌ أَعَزَّنَا اللَّهُ بِالإِسْلامِ ، فَلَنْ نَلْتَمِسُ الْعِزَّ بِغَيْرِهِ" , فبين له أن العزّة لا تكون إلا بالإسلام لا بالمظاهر الزائلة , ولا بالمتاع الفاني ,
فهذا درس كبير لتفهم الأمة معنى العزة الحقيقي , وأنها لو تمسكت بالإسلام لحازت المفاخر والمآثر , والهداية , والبصائر , ولأصبحت شامة في جبين الدهر , ومن مثل الإسلام في قيمه , ومثله , وشموخه , فيه صفاء العقيدة , والعبادة , فيه القوة والريادة , فيه الرحمة والسعادة , فيه الطمأنينة والانشراح , ومن عرفه حقاً ضحى بالغالي والنفيس في سبيله , ياله من دين لو كان له رجال.وهم كائنون بحمد الله , ولكن تنقصهم العزيمة العمرية , في عزتها , وعنفوانها , واستشعارها للإيمان , وتضحيتها في سبيل المبادئ .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
.


الحلقة الثانية (2) من المواقف العمرية موجودة الآن في هذا الملف فتصفحها

سلطاني الشرقيه 11-03-2008 07:20 PM


ابو عثمان احبك في الله وسعادتي لاتوصف بتواجدك معنى في هذا الصرح الشامخ والغالي على قلوبنا
لنستفيد ولو بقليل من عندك

آدامك الله يا بو عثمان

نايف العميم 11-03-2008 08:46 PM

أبو عثمان نيابة عن الجميع إدارة وأعضاء أرحب بك أجمل ترحيب وكم نحن سعداء بحضورك :بشخصك وعلمك وثقافتك وتواضعك ,ونتمنى أن تتحفنا بكل ماهو مفيد وجميل ,وندعوا الله أن يتمم حصولك على شهادة الدكتوراة قريبا إنه سميع مجيب.
أما الفاروق وما أدراك ما الفاروق ,إنه الخليفة الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم :لو سلك بن الخطاب فجا لسلك الشيطان فجا غيره).
إنه الخليفة الذي جمع صفات القوة واللين بتمازج عجيب .
إنه الخليفة الذي وافق القرآن رأية في أكثر من موقف .
إنه الخليفة الذي طبق مبادئ الحرية والمساواة قبل أن يطبقها الغرب .
أنصحكم إخواني الأعضاء بقراءة كتاب (عبقريات الفاروق عمر) للعقاد.
أبو عثمان جزاك الله خير ومشكور على المشاركة معنا رغم مشاغلك الحالية .

ابو فايز 11-03-2008 09:19 PM

كم نحن سعداء بإنضماك لهذا المنتدى يا ابا عثمان ،والذي أصبح حلقة وصل وتواصل بيننا،
اما الدروس من المواقف العمريه فهي كثيرة جدا؛ ماذا نقول عن العدل/ الحزم/ التواضع/الخشية من الله/ الوقوف عند حدود الله/الفراسه/ رحم الله عمر وسائر الصحابة
., لقد فهم أن من ملك الهداية , والدين الصحيح , ورضى الله , فقد ملك كل شيء , ومن خسر الهداية والتوفيق , فقد خسر كل شيء , ولو لبس الحرير , ونام على الوثير , وتلقته الجماهير ,
تقبل تحيات محبك ابوفايز
ونحن بشوق لزيارتك

روحي تحبك 11-03-2008 10:12 PM

حياك الله بيننا اخوووي /أبو عثمان

ومشكووووور علي الدرووووس والمواقف

مغترب في امريكا 11-03-2008 10:23 PM

الحمدلله الذي بنعته تتم الصالحات

انه لشئ عظيم ان يكون هنالك رجل ذو علم ودين ان يكون بيننا يفقهنا ويعلمنا ما هو مفيد

لا حرمك الله الاجر يا ابا عثمان

اشكرك علي طرح هذا الموضوع الجميل عن الفاروق

واننا لمتشوقون لمعرفة المزيد عن عمر بن الخطاب

وعن المواقف التي وافقه القران فيها

وتقبل تحياتي اخوك مغترب في امريكا

أبو عثمان 11-04-2008 10:52 PM

أشكر الإخوة الأعزاء مشرفي المنتدى , والإخوة الأعضاء على ترحيبهم الحار وأسأل الله أن أكون عند حسن الظن , وأنا بكم , ومنكم , فنحن في هذا المنتدى يعين بعضنا بعضا , والمؤمن قوي بإخوانه , ضعيف في نفسه , وهذا المنبر الفكري يحتاجنا جميعا ونحتاجه , ويضيئنا ونضيئه , ويقومنا ونقومه , وأشكر الأخوة الذين بادروا بدعوة المتأخرين عن المشاركة ؛ لنكون لحمة واحدة , ويد واحدة , وقبل ذلك قلب واحد ,
تأبى الرِّماح إذا اجتمعن تكسُّراً
فإذا افترقن تكسَّرت آحاداً
شكرقلبي : للأخ : سلطاني الشرقية , أحبك الله الذي أحببتني فيه , وأسعدك بطاعته.
شكر خاص : للأخ الشمالي على اهتمامه , وكلماته الطيبة , ودعواته الصادقة , التي لا أستطيع مكافئتها إلا بالدعاء له .
شكر مميز: لأخي العزيز أبي فايز : صاحب الفكر النير , والتجربة الثرية , والأسلوب الحكيم.
شكرعميق : للأخ المغترب الحبيب أعاده الله سالماً غانماً , ونفع الله به الإسلام والمسلمين , وللأخ روحي تحبك , الشكر للجميع .

برقا سرا 11-04-2008 11:11 PM

أخى أبو عثمان نورت المنتدى بقلمك النير وبفكرك الراقي ودع قلمك يسرد لنا مواقف الفاروق وباقى
الخلفاء الراشدين0000 وفقك الله لما يحبة ويرضاة

لك ودى وأحترامى

راعي العليا 11-05-2008 12:25 AM


ابا عثمان ارجوج ارجوك ان تفيدنا اكثر ولو بقليل مما لديك
والله ان فرحتي لا توصف عندما وجدتك متواجد معنا ويعلم الله
كم نكن لك من الاحترام

عيد السلطاني 11-05-2008 11:22 AM


أهلا وسهل أبا عثمان

نعم أقولها وبلا محاباة الأن سينجح المنتدى بتواجد أمثالك .

شكرا لك على هذا الطرح المفيد .

دائما نحتاج لأمثالك أن يكونوا بيننا موجهين وناصحين لنا .

ولعلني أذكر نفسي واخواني بما قال العلامة الشيخ الألباني :-

إن كلماتنا ، ستبــقى ميته ، أعــــراسـا مــن
الشمــوع ، لا حــراك فيـها جـــامدة ، حـتى
إذا متنا من أجلها ، انتفضـــــت حيه ، و عاشت
بين الأحيـاء ، إن كــل كلمـــة كانت قد إقتاتت
قلب إنسان حي ، فعــاشت بين الأحيــاء ، و
الأحيـــــاء لا يتبنـــــون الأمــــــــــوات

فلا يبقى لنا سوى العمل الصالح كما بقي للصحابة والتابعين وكل مسلم .

لك مني كل الحب والود والاحترام .

تحياتي ............................................... الغطاس

عبدالعزيز السلطاني 11-07-2008 09:36 PM

شكرا لك أخي الكريم أبا عثمان على هذا الطرح الرائع والجميل ونسأل الله أن يجعله في موازين حسناتك


أبو بندر 11-08-2008 09:36 AM

http://www.islamdor.com/vb/images/bsm-allah3.gif
مشكور أخي الكريم أبو عثمان على توضيح هذه المواقف الهامة والمفيدة جعلها الله في ميزان حسناتك ورزق الله الفردوس الأعلى من الجنة ووفقنا وإياكم لما فيه الخير لنا في الدنيا ةالآخرة أمين </B>




أبو عثمان 11-08-2008 04:45 PM

الدرس الثاني في المواقف العمرية : (التعالي على شهوات النفس)
 
الحلقة الثانية في المواقف العمرية :
كيف كان يأكل الفاروق ؟ (التعالي على شهوات النفس)


الموقف الثاني (2) : وفيه ثلاث روايات :
الرواية الأولى :
عَنْ أَبِي عُثْمَانَ , قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُتْبَةُ أَذْرَبِيجَانَ , أتي بِالخَبِيصِ فَذَاقَهُ , فَوَجَدَهُ حُلوًا، فَقَالَ: لَوْ صَنَعْتُمْ لأََمِيرِ المُؤْمِنِينَ مِنْ هَذَا، قَالَ: فَجَعَلَ لَهُ : سَفَطَيْنِ عَظِيمَيْنِ، ثُمَّ حَمَلَهُمَا عَلَى بَعِيرٍ مَعَ رَجُلَيْنِ , فَبَعَثَ بِهِمَا إلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَا عَلَى عُمَرَ , قَالَ: أَيَّ شَيْءٍ هَذَا؟ قَالَ: خَبِيصٌ، فَذَاقَهُ , فَإِذَا هُوَ حُلوٌ، فَقَالَ: أَكُلَّ المُسْلِمِينَ يُشْبِعُ مَنْ هَذَا فِي رَحْلِهِ؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: فَرُدَّهُمَا، ثُمَّ كَتَبَ إلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَدِّ أَبِيك, وَلاَ مِنْ كَدِّ أُمِّك , أَشْبِعْ المُسْلِمِينَ , مِمَّا تَشْبَعُ مِنْهُ فِي رَحْلِك.
إسناده صحيح. رجاله ثقات، رواه ابن أبي شيبة (32917)، في المصنف ، و مسلم في صحيحه (2069) مختصراَ , وأحمد في الزهد 1/121، وهناد بن السري في الزهد (697 ، عن عاصم الأحول به نحوه.وهذا لفظ ابن أبي شيبة .

الرواية الثانية :
عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ فَرْقَدٍ السُّلَمِيُّ , قَالَ: قَدِمْت عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ؛ بِسِلاَلِ خَبِيصٍ عِظَامٍ مَمْلُوءَةٍ، لَمْ أَك أَحْسن وأجيد، فَقَالَ : مَا هَذِهِ؟ فَقُلت : طَعَامٌ أَتَيْتُك بِهِ، إنَّك رجل تَقْضِي مِنْ حَاجَاتِ النَّاسِ أَوَّلَ النَّهَارِ، فَإِذَا رَجَعْت أَصَبْت مِنْهُ، قَالَ: اكْشِفْ عَنْ سَلَّةٍ مِنْهَا، قَالَ: فَكَشَفْت، قَالَ: عَزَمْت عَلَيْك إذَا رَجَعْت , أَلاَ رَزَقْت كُلَّ رَجُلٍ مِنْ المُسْلِمِينَ مِنْهَا سَلَّةً قَالَ: قُلت: وَاَلَّذِي يصْلُحُك يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لَوْ أَنْفَقْت مَالَ قَيْسٍ كُلَّهُ , مَا بَلَغَ ذَلِكَ، قَالَ: فَلاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ ، ثُمَّ دَعَا بِقَصْعَةٍ فِيهَا ثَرِيدٌ مِنْ خُبْزٍ خَشِنٍ , وَلَحْمٍ غَلِيظٍ , وَهُوَ يَأْكُلُ مَعِي أَكْلاً شَهِيًّا، فَجَعَلت أَهْوِي إلَى البِضْعَةِ البَيْضَاءِ أَحْسِبُهَا سَنَامًا , فَأَلُوكُهَا , فَإِذَا هِيَ عَصَبَةٌ، وَآخُذُ البِضْعَةَ مِنْ اللَّحْمِ , فَأَمْضُغُهَا فَلاَ أَكَادُ أَسِيغُهَا، فَإِذَا غَفَلَ عَنِّي , جَعَلتهَا بَيْنَ الخِوَانِ وَالقَصْعَةِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عُتْبَةُ، إنَّا نَنْحَرُ كُلَّ يَوْمٍ جَزُورًا، فَأَمَّا وَدَكُهَا وَأَطَائِبُهَا فَلِمَنْ حَضَرَ مِنْ آفَاقِ المُسْلِمِينَ، وَأَمَّا عُنُقُهَا فإلى عُمَرَ.
رواه ابن أبي شيبة (32918)، في المصنف ، وهناد بن السري في الزهد (695) , و الدارقطني في السنن 4/260ـ 261 (77) , و ابن عساكر في تاريخ دمشق 44/296 كلهم من طريق قيس بن أبي حازم به نحوه.واللفظ لابن أبي شيبة . إسناده صحيح، رجاله ثقات، وتقدم قريباً من وجه آخر عند مسلم ,

الرواية الثالثة :
عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ , عَنْ حُذَيْفَةَ , قَالَ: مَرَرْت , وَالنَّاسُ يَأْكُلُونَ ثَرِيدًا , وَلَحْمًا، فَدَعَانِي عُمَرُ إلَى طَعَامِهِ، فَإِذَا هُوَ يَأْكُلُ خُبْزًا غليظا , وَزَيْتًا , فَقُلت: مَنَعْتنِي أَنْ آكُلَ مَعَ النَّاسِ الثَّرِيدَ، وَدَعَوْتنِي إلَى هَذَا؟ قَالَ: إنَّمَا دَعَوْتُك لِطَعَامِي، وَذَاكَ لِلمُسْلِمِينَ.
رواه ابن أبي شيبة (32919)، في المصنف ، وأحمد في الزهد 1/121 كلاهما عن زيد بن وهب به. نحوه.واللفظ لابن أبي شيبة.
حسن لغيره , فيه : سليمان الأعمش , وهو مدلس , ولم يصرح بالسماع، وبقية الإسناد ثقات، ولكن يشهد له , ويقويه , ماتقدم قبله بمعناه من أثر عتبة بن فرقد.


تأمل الموقف :
تجلب الأطباق الشهية , العظيمة المليئة بما لذ وطاب , مما تشتهيه النفس , وتسر به العين , بل ربما لا يستطيع الإنسان إلى تمالك نفسه من ذوقها , وتناولها , لما فيها من الجاذبية , والإغراء .
يجلب (الخبيص) وهو طعام مخلط , لذيذ , متعدد المقادير , حلو الطعم , إلى الفاروق محملا بأطباق كبيرة من أذربيجان ـ وهي مملكة عظيمة فيها خيرات واسعة , وفواكه جمة , فتحت في خلافته رضي الله عنه , وهي اليوم استقلت من روسيا ,وغالب أهلها مسلمين ــ ,
أهداه له قائد الجيش ، وهو يطلب البر بأمير المؤمنين , لما يرى فيه من البذل والتوجيه , والمتابعة , ولما وجد في نفسه من الحب لهذه الشخصية الفريدة , التي كان لها الدور المساند في النصر , فَقَالَ: لَوْ صَنَعْتُمْ لأََمِيرِ المُؤْمِنِينَ مِنْ هَذَا ؟ بعد أن أعجبه طعمه ,
ثم وضعه في سفطين (وعائين) وفي رواية سلال , وحملها على بعيرين , وكتب معها حثا للقبول , كتب لعمر : إنَّك رجل تَقْضِي مِنْ حَاجَاتِ النَّاسِ أَوَّلَ النَّهَارِ، فَإِذَا رَجَعْت أَصَبْت مِنْهُ , أي أن هذا الطعام الحلو يعينك ويقويك على التحمل ,
,
فلما قدم له الطعام كان أول سؤال :
هل كل المسلمين سيتناولون مثله ؟
أَكُلَّ المُسْلِمِينَ يُشْبِعُ مَنْ هَذَا فِي رَحْلِهِ؟
فلما أخبر أنه ليس بالإمكان إشباع المسلمين من هذا النوع , لأنه يحتاج تكاليف باهظة , وأن هذه وجبة خاصة بالخليفة , ولا يمكن توفيرها للجميع ,
لم يستطع أن يمد يده حتى لفضول التذوق فضلا عن الأكل , مع أنه طعام قدم له من قائد الجند , وطابت به نفوس القوم لتقديمه له , وقطعت من أجله المسافات , ولكن صاحب النفس العالية المتعالية على هواها , وملذاتها لم تستسلم للرغبات ,
لم ينشغل الفاروق بملذات البطن , وهو يتحمل مسؤولية المسلمين ,
لا تطاوعه نفسه بالتميز على عامة الناس فضلا أن يتميز على فقراءهم ,
لقد أخذ منه هاجس المحاسبة الربانية كل مأخذ , فلم يرض لنفسه أن يتناول شيئاً لا تطاله أيدي المسلمين ,

وعندها قدم الفاروق عتابه القوي المؤثر الذي لا يتمالك سامعه إلا الإذعان لقوة حجته , وصدق معناه , ووقع تأثيره ,
قال له :
فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَدِّ أَبِيك, وَلاَ مِنْ كَدِّ أُمِّك , أَشْبِعْ المُسْلِمِينَ , مِمَّا تَشْبَعُ مِنْهُ فِي رَحْلِك.
فيا ألله وجبة طعام لم يتساهل معها ؟!! ,
فكيف لمن أذنت لهم نفوسهم التطاول على أموال المسلمين , وأكل حقوقهم بغير وجه حق ,
عمر خاف من التوسع في المباح , وغيره للحرام استباح ,
عمر لا يريد التميز عن الرعية , وغيره أشغله كبره وغيّه ,
أين منّا تفهم هذا المثال ؟ الذي يستغنا به عن كثير من المقال ؟

وفي الموقف أيضا :
لم يأكل من طعام الثريد , واللحم الذي يقدم من بيت المال للفقراء , والوافدين , فيتركهم يتلذذون بالطعام الشهي , ويرضى بطعامه الخشن , ومادته : الخبز الغليظ والزيت ,
خلبفة المسلمين من ملك الأرض من أقصاها إلى أقصاها يأكل الخبز الخشن والزيت , وإن أكل من اللحم اختار لنفسه الرديء (الرقبة ) , الذي يصعب مضغه , وترك للمسلمين الطيب , واللين !!! ,
لقد قدم للأمة درساً في عفة النفس , وفي المساواة بين الراعي والرعية , وفي الورع عن يسير الشبه , فمتى نستفيق ونستن بسنته رضي الله عنه ؟
.


انتظروا قريباً الحلقة الثالثة من المواقف العمرية

عيد السلطاني 11-09-2008 02:31 PM


اسأل الله العلي القدير أن يكون هذا العمل في ميزان حسناتك .

وجزاك الله عنا خير الجزاء .

لله درك يا أبا عثمان .

أنتظر الثالثة ......................... ومتابعة مستمره بلا نقطاع .

تحياتي ................................. الغطاس

أبو عبدالرحمن

علي القدير 11-10-2008 10:36 AM

اخي ابو عثمان
لم يترك لي اخوتي ما اقوله وارجو من الله ان يسدد خطاك

راعي العليا 11-15-2008 02:34 PM


الفاروق
بارك الله فيك ابا عثمان جهود تشكر عليها واعرف كم هي متعبه

حسين الهادي 12-16-2008 04:21 AM

الأخ ابو عثمان: جزاك الله خيراً فعمر بن الخطاب رضي الله عنه من الشخصيات التي نقف أمام سيرتها ولا يكون بيدك سوى الانبهار فقــــــــــــــــــــــــــــــــط الانبهار
فخذ من شخصيته إن استطعت ما شئت.
احب أن اورد شهادة خالد بن الوليد به رضي الله عنهم:
جاء رجل الى خالد وقال له: ان الفتن قد ظهرت,فقال: وابن الخطاب حي,انما تأتي بعده.
رحم الله عمر رضي الله عنه فقد كان باباً مغلقاً في وجه الفتن والخلافات.

داهية 02-04-2009 09:13 PM

طولت الغيبة يابو عثمان عسى المانع خير

أبوفارس 03-07-2009 01:36 AM

ما أجمل ما كتبت يا أباعثمان
موقف يدل على تواضع أمير المؤمنين يعطي دروساً للأمة عبر تاريخها

لله درك يا أبا عثمان

عوض جبيب 06-25-2009 05:12 AM

يلغى التثبيت

وكل الشكر للاخ الدكتور ابو عثمان على جهوده واجتهاده



ارق التحاااايا


الساعة الآن 03:26 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. diamond